بعد ربع قرن من التطوع لتغسيل الموتى.. "محمد": احتياطات كورونا مختلفة تماما
بدأ المهمة في سن الـ15 بطفل في قريته
الشيخ محمد حلمي
قبلربع قرن من الآن، وحين كان صغيرا في الخامسة عشر من عمره، كان التعامل الأول له مع جثة طفل صغير متوفى لم يجد من يقوم بتغسيله في قريتهم، هنا استجمع المراهق حينها، شجاعته واعتمد على عمله الذي درسه في الأزهر وقرر أن يتولى المهمة في ظل غياب والده الشيخ الذي عرفه أهل القرية بتطوعه الدائم لتغسيل الموتى، "أهل الطفل مكانوش لاقيين حد وكان في شيخ كبير موجود مش عارف إزاي بيتم الغُسل ومن هنا كان لازم أقوم بدور والدي في غيابه وكانت أول تجربة ليا"، يقول الشيخ محمد، ابن شبرازنجي إحدى قرى مركز الباجور بالمنوفية، في بداية حديثه لـ"الوطن" عن سنوات تطوعه في تغسيل الموتى.
منذ بداية أزمة فيروس كورونا وارتفاع أعداد الإصابات والوفيات، فكر الشيخ محمد الذي يعمل بالأوقاف المصرية، المشاركة في مواجهة الأزمة بالتطوع لتغسيل موتى كورونا مجانا لوجه الله تعالى، تلك المهمة التي يخشاها الكثير في ذلك الوقت خوفًا من العدوى لم يرهبها الشيخ الأربعيني ومساعديه الثلاثة ولو يتوان أحدهم في المساعدة.
البداية كانت من حالة لفظت أنفاسها الأخيرة أمام باب بيتها وظلت في الشارع نحو ساعتين دون مبادرة أحد بتغسيلها خوفًا من الإصابة بالفيروس ورهبة من صعوبة الموقف "أول ما سمعت عن الحالة أثرت فيا وقررت أعلن تطوعي لتغسيل موتى كورونا.. حبيت أساعد باللي أقدر عليه مش خايف من حاجة"، حسب تعبيره.
الشيخ محمد ومساعديه على استعداد للسفر لمحافظات الجمهورية في حال توفير وسيلة نقل لهم
بداية من منطقة روض الفرج، حيث يسكن حاليًا الشيخ الأربعيني، وحتى كافة محافظات الجمهورية، يتطوع هو ومساعديه بتغسيل موتى كورونا، وإن كان العائق الوحيد أمامه هو عدم امتلاكه سيارة خاصة للسفر بها بين المحافظات وبحسب وصفه: "أوقات مش بلاقي وسيلة نقل مواصلات وبحتاج من أهل المتوفي يوفرولي عربية ومستعد أسافر أي مكان".
ببدلته الواقية التي تغطي جسمه بالكامل بداية من الرأس حتى القدمين والكمامة وقفازات اليد، يحضر الشيخ محمد إلى منزل الحالة لتغسيلها متبعًا كافة الإجراءات الاحترازية للوقاية من العدوى، معتبرًا حالات موتى كورونا- رغم خطورتها- ليست الأصعب على مدار تطوعه في هذا المجال فهو سبق له تغسيل موتى حوادث القتل في المشرحة وموتى الحرق وغيرها من المشاهد الصعبة التي اعتاد رؤيتها.
محمد: قمت بغٌسل موتى في المشرحة وموتى الحرق ولم أرهب تغسيل وفيات كورونا
"تغسيل موتى كورونا اختلافه الوحيد في لبس البدلة والكمامة للوقاية من العدوى"، استكمل الشيخ المتطوع حديثه عن تجربته مع حالات وفيات كورونا، معتبرا أنه لا يوجد فارق كبير بين طريقة غسل موتى كورونا والموتى في المشرحة من حيث طريقة التعامل مع الجثة وطريقة لف الكفن ووضع زيت الكافور على جثة الشخص كمادة عازلة.
ومنذ أعلن الشيخ عن تطوعه لتغسيل موتى كورونا تلقى مكالمات عدة من الأهالي داخل وخارج نطاق القاهرة، يتلقى كل مكالمة منها بسعة صدر لم يتردد لحظة في تقديم المساعدة لأحدهم "بقالي يومين مبنامش من التليفونات ومش بنتأخر على حد"، حسب وصفه.