"هاني شنودة.. العراب" ودوره في تطوير الموسيقى في 20 قصة
الموسيقار هاني شنودة
يقع كتاب "مذكرات هاني شنودة.. العراب"، في نحو 220 صفحة من القطع المتوسط، والكتاب صادر حديثا عن دار ريشة للنشر والتوزيع، للكاتب الصحفي مصطفى حمدي، وينقسم الكتاب إلى 20 فصلا تعرض قصص أو ملامح من حياة عرب الموسيقى، تتضمن أبرز المحطات في مسيرة هاني شنودة ودوره فى تطوير شكل الموسيقى، واكتشاف نجوم الغناء، مثل محمد منير وعمرو دياب، وكواليس علاقات العمل مع كبار الفنانين مثل سيدة الشاشة العربية فاتن حمامة ومحمد عبدالوهاب، وعبدالحليم حافظ ونجاة، كما يتضمن الكتاب ملحق لصور هاني شنودة فى مراحل مختلفة.
وأضاف مصطفى حمدي لـ "الوطن" فكرة الكتاب انطلقت بعد صدور كتابي الأول "شريط كوكتيل" عام 2017، وهو الذى يتناول تجربة موسيقى الجيل التي تصدرها حميد الشاعري في الثمانينيات والتسعينيات، وخلال رحلة كتابته توقفت أمام تجربة هاني شنودة تحديدًا لأنها كانت النواة الحقيقية للثورة الموسيقية التي حدثت في الثمانينيات، ولهذا اعتقد أن هاني شنودة هو الأب الروحي للموسيقى المصرية الحديثة.
لغة الكتاب فجاءت لغة عربية فصحى مبسطة، فى أغلبها،وتابع مصطفى حمدي: "سجلنا ما يزيد على 18 ساعة، في جلسات عمل أسبوعية، وركزت في كتابة المذكرات على لم يقل من قبل في الصحافة والإعلام، وبدأنا بفصل عن العوامل المؤثرة فى نشأته طنطا بالقرب من مقامات الأولياء وارتباطه بأنواع مختلفة من الموسيقى، الغربية والشرقية، وتوجيه والده له بضرورة دراسة الموسيقى".
كما تتضمن المذكرات قصة عن علاقة هاني شنودة بصلاح جاهين، خاصة أن الشاعر الكبير كان له بصمة كبيرة فى تأسيس الفرقة، وفي فصل "أيامي إلى جوار السيد البدوي" كذلك يتحدث عن مقدمات إطلاق فرقة "المصريين"، وما سبقها من تجارب، تحدث هاني شنودة عن نجاحه في فريق «لى بيتى شاه»، "ذاع صيتها الفرقة لدرجة دفعت نجيب محفوظ للسفر إلى الإسكندرية خصيصًا لسماع الفرقة وإجراء حوار صحفى معنا فى جريدة الأهرام"
ويروي "شنودة": "دار الحوار بين أخذ وعطاء وسؤال وجواب حتى توقف نجيب محفوظ وسألنى: ليه يا هانى مابتلعبوش أغانى عربى من تأليفكم؟رددت عليه: الأغنية بتاعتنا مقدمتها تساوى ثلاث أغانٍ من الأغنية الغربية، أغنياتنا الكلاسيكية تبدأ بتانجو أو فالص ثم تتحول إلى المقسوم الشرقى، والرقص الشرقى عيبة عند الشباب والرجال، أما الرقص الغربى فهو موضة.فى هذه اللحظة نظر إلىّ بابتسامة ساخرة، وقال: لا تستبدل بشهوة العمل شهوة الكلام، اعمل الأغنية اللى أنت شايفها صح بدون حجج أو أعذار.لم أتوقف أمام الكلام طويلًا، كنت سعيدًا بما أفعل، وأكسب جيدًا، ووصل الأمر إلى أن طلب منى عبدالحليم حافظ أن أكوّن له فرقة حديثة يضمها إلى الفرقة التى تعزف أغنياته، وهذه قصة أخرى متخمة بتفاصيل عديدة وقعت فى وقت قصير عندما أنهى موت حليم التجربة مبكرًا.ولكن كلمات نجيب محفوظ ظلت محفورة فى ذاكرتى. لماذا لا أكوّن فرقة مصرية تعزف الموسيقى بشكلها الحديث الذى يقدمه العالم وتقدم كلماتنا المصرية ولغتنا الدارجة؟!
ويتابع: فى الواقع إن عبقرية نجيب محفوظ لا تكمن فقط فى قلمه ولكن فى رؤيته، فهو كشاف ومستشرف للمستقبل دائمًا، وقادر على استيعاب التجارب الجديدة. هو وصل إلى نوبل على بساط روايات شديدة المحلية، ولكنها واقعية وفلسفية ونقلت ثقافتنا إلى العالم عبر الترجمات المختلفة. الموسيقى بالنسبة إلىّ هى الترجمة التى تنقل ثقافتنا إلى العالم كى ينظروا إلينا، لهذا دائمًا أقول إن الموسيقى المصرية تنقسم إلى مرحلتين «ق. م» أى ما قبل فرقة «المصريين»، و«ب. م» أى ما بعد ميلاد فرقة «المصريين»
ويشير الكتاب إلى دور هاني شنودة فى تغييره لشكل الموسيقى بشكل عام، من خلال تعاونه مع أحمد عدوية فى أغنية "زحمة يا دنيا زحمة" وهو ما غير شكل الموسيقى لشعبية وقتها، حيث يشر هاني شنودة فى الكتاب إلى عمق تأثير الأغنية فى الشارع، وبالتالى كيفية تعامل الحكومة مع فوضى المرور وقرار الرئيس السادات التى جاءت بعد الأغنية بأسبوعين من صدور الأغنية، لضرورة تواجد رجال المرور بشكل مكثف لعمل حالة انضباط فى الشارع، وكذلك علاقته بالفنانة نجاة، ويتناول قصة 6 أغانى عملها هاني شنودة لنجاة لكنها لم تر النور إلى الآن.
علاقته بعبدالحليم حافظ، والذى كان يخطط لعمل فرقة موسيقة مصرية غربية، قيل تكوين فرقة "المصريين"، لكن المشروع لم يكتمل بسبب رحيل عبدالحليم وقتها في لندن، وهو أحد العوامل التى دفعت هاني شنودة لتأسيسه لفرقة "المصريين".
وعن دوره في تقديم محمد منير، إلى الساحة الفنية: "بعد هذا العمر الطويل يمكننى القول بضمير مرتاح إننى رويت نبتة منير ورعيتها حتى طرحت هذا المشروع الفنى الذى عرفناه جميعًا، والبقية ممن شاركونى التجربة لم يكونوا معروفين وقتها للجمهور، كانوا عظماء، لا خلاف، ولكنهم كانوا وراء الكواليس، لم يكونوا أصحاب بصمات جريئة، ولم يقلّبوا تربة الموسيقى فيُخرجوا منها كنوزًا كالتى اكتشفتها أنا، أحمد منيب على سبيل المثال لم تكن ألحانه معروفة جماهيريًّا قبل أن تشكلها توزيعاتى وتعرضها فى برواز حديث وأنيق يواكب ذائقة الناس المتطورة، ولكن للأمانة لو هناك أب روحى حقيقى لمحمد منير فهو عبدالرحيم منصور، الذى جاء لى به وصاغ مشروعه الفنى عبر كلماته التى كانت متمردة وسبَّاقة ومستشرفة للمستقبل"
خلال عمل محمد منير مع يحيى خليل، يقول "شنودة": "كنت سعيدًا بنجاح منير وانتشاره مع يحيى خليل لأننى اعتبرت نجاح منير نجاحًا لى، صوت منير كان قطعة من روحى شكّلتُها وتابعتُ خطواتها، أنا لى فى منير نصيب لا يمكن أن يغفله أحد، ولهذا أتعجب ممن ينسبون مشروع منير إلى يحيى خليل فقط، ربما هو مَن روّج لذلك.. الله أعلم! ولكن الصدام بين يحيى ومنير كان متوقعًا، وهو الصدام التقليدى بين النجومية وشركائها، خصوصًا لو كان كلا الشخصين يرى أنه صاحب النجاح"
"أحببت منير كما أحببت عبدالرحيم منصور، وعلاقتنا ظلت ممتدة بعيدًا عن الفن، أذكر أن منير بعد فترة من العمل مع يحيى خليل عاد لى وطلب أن ينضم لفرقة «المصريين» ويغنى معنا، رفضت تمامًا وقلت له: أنت نجم الآن.. يجب أن تكون لك فرقتك التى تحمل اسمك".
أما دوره مع عمرو دياب، فيروي هاني شنودة: كانت فرقة «المصريين» تحيى حفلًا فى بورسعيد، بعد أن قدمنا فقرتنا دخلتُ غرفتى لأستريح قليلًا، طرق الباب شاب يتحدث بلهجة بورسعيدية «صرفة»، اقتحمنى بجرأة، ولم يتردد فى تقديم نفسه، قال: إزيك يا هانى بك.. أنا اسمى عمرو ونفسى أسمّعك صوتى.. أنا نفسى أبقى حاجة.فى مثل هذه المواقف اعتدت ألا أرد أحدًا، ربما يكون موهوبًا بالفعل أو موهومًا، ولكن حقه أن أمنحه الفرصة الكاملة، خصوصًا أن عبارة «نفسى أبقى حاجة» أثّرت فىَّ، لأنه قالها بصدق حقيقى.غنى عمرو، على ما أذكر، لعبدالحليم، كانت «عُربهُ» سليمة وأداؤه منضبطًا، أقنعنى بموهبته، ولكن العائق الوحيد الذى توقفت أمامه هو لهجته البورسعيدية، التى طغت على إحساسه فى الغناء، بالإضافة إلى حاجته الماسّة إلى الدراسة، وهذا يتطلب انتقاله إلى القاهرة، قلت له: لا بد أن تدرس، وتعالج مخارج الألفاظ، لأن لهجتك طاغية على غنائك.
ويتابع "العراب" فى صباح اليوم التالى وجدته أمام باب الفندق الذى نقيم فيه وفى يده حقيبة سفر! كنا نستعد لاستقلال الباص إلى القاهرة، قال: أنا جاى معاكم! ثم فاجأنى بخبرين، الأول أنه قرر القدوم إلى القاهرة ما دامت لديه الموهبة، وسيقدم أوراقه فى المعهد العالى للموسيقى، والخبر الثانى أن لديه منتجًا بورسعيديًا يملك شركة تدعى «صوت المدينة» وسيُنتج له شريطًا ويريدنى أن أتولى إدارة هذا المشروع.
"هذا الموقف جعلنى أتيقن من أن عمرو سينجح، لأن لديه المبادرة، هو لا يخجل من تقديم نفسه، والمبادرة لاتخاذ كل خطوة تدفعه للأمام"فى القاهرة بدأ عمرو رحلته سريعًا، كان يستعجلنى باستمرار لنبدأ التسجيل واختيار الأغانى، بينما أنا أبحث له عن شخصية فنية أقدمه من خلالها للناس، كنا قد بلورنا شخصية محمد منير الفنية أنا وعبدالرحيم منصور، وجاء عمرو وهو مشحون بإعجاب شديد بتجربة منير، ولكننى رأيت أن عمرو كصوت وصورة مختلفين تمامًا عن منير، يجب أن يكون عمرو فى الجهة المقابلة لمشروع منير، يجب أن يغنى للشباب كلمات أكثر رشاقة وخفة، بينما منير يغنى موضوعات دسمة واجتماعية وفيها فلسفة، عمرو هو الوجه البسيط والتجارى للأغنية الحديثة التى سعيت لتقديمها، بينما منير هو الوجه الأكثر عمقًا المرتكز على موروث ثقافى وفنى.فى تلك الفترة سعينا لاعتماد عمرو فى الإذاعة، ولكننى رأيت أنه فى حاجة للمزيد من التدريب كى يعدل من لهجته، لأن لجنة الاستماع فى الإذاعة لن تقبله وهو ينطق الحروف والكلمات بهذه الطريقة، وبالفعل تدرب كثيرًا معى بجانب دراسته فى المعهد، وتقدم لاختبارات الإذاعة وتم قبوله، وكانت هذه الانطلاقة الحقيقية.
عن نفسه يتحدث هاني شنودة فى الكتاب، قائلا: كنت أول من أدخل الآلات الحديثة مثل الدرامز والإلكتريك جيتار فى الأغنية الشعبية مع أحمد عدوية، والجميع قلدونا بعدها، أول من قدم محمد منير وعمرو دياب، وأول من أسس فرقة موسيقية تغنى باللغة العربية «المصرية» على موسيقى مواكبة لتطور الغرب"فعلت ذلك لأننى مؤمن بمقولة الفيلسوف ثيروندايك: «الفرق بين العبقرى والمجنون هو النجاح»، نعم ما قدمته وصفه البعض بالجنون وقتها لأنه كان جديدًا ومختلفًا، من كان سيقتنع بصوت ممدوح قاسم «الرخيم» وهو يغنى «ماتحسبوش يا بنات إن الجواز راحة»؟!ويلفت: "لو أحضرت ممدوح لأى منتج وقلت له إنه مطرب جيد سيقول إننى مجنون، حدث ذلك مع المنتج عاطف منتصر الذى قال لى: «صوته ده يروح يبيع بيه كرشة»!ولكننى كنت على يقين بأن ممدوح صوت أوبرالى قوى، له مناطقه الخاصة فى الأداء والتى سأستخدم صوته فيها بشكل مناسب، وسيعجب الناس، ولهذا عندما نجحت التجربة قال لى عاطف منتصر: «أنت عبقرى».بهذه الفلسفة دخلت عالم الموسيقى التصويرية للأفلام، وهى مرحلة مهمة فى مشوارى الفنى، أحمد الله كثيرًا أننى وضعت فيها بصمة يتذكرها الناس حتى الآن، ولكن البداية كانت مخيفة لأنها مع سيدة الشاشة فاتن حمامة."بدأت الحكاية عندما حدَّثنى المخرج الكبير هنرى بركات، قال لى إن فاتن سمعت موسيقاى ومعجبة بها جدًّا، وإنها تريد التجديد فى فيلمها «ولا عزاء للسيدات» بعد تعاونها مع عبدالوهاب ومع الرحبانية، تعجبت فى البداية.. لماذا تختارنى أنا تحديدًا؟!عرفت هذه الإجابة من هنرى بركات فى لقائنا عندما قال لى: إن فاتن استشعرت قدرًا من التعبير الدرامى فى موسيقاك".
وعن الموسيقار محمد عبدالوهاب، ورأيه بموسيقى هاني شنودة: "دعانى عبدالوهاب على مائدة الغداء أنا ونجاة بمناسبة هذا التعاون المرتقب، ونحن نتناول الطعام فاجأنى بقوله: يا هانى أنت عامل لحن «زنان» بجد.. لحن «بحلم معاك» ده بيزن فى ودنى من ساعة ما سمعته.شكرته على شهادته، وتحدثنا فى أمور أخرى، ثم عاد إلى الحديث عن اللحن مرة أخرى بعد الغداء، وطلب منى أن أعزفه على البيانو، عزفت مرة واثنتين وثلاثًا، تقريبًا عزفت اللحن ثلاثين مرة وهو يردد عبارات الإعجاب والسلطنة، ويقول: يا سلام يا سلام.. تانى يا هانى!توقفت عن العزف وقلت له: أنا زهقت يا أستاذ كفاية كده!فقال: ليه بس؟ ده أنا متسلطن من عزفك جدًا، كنت عايز أشوف لما تعيدها كذا مرة هتنوّع فيها وأنت بتعزف وتلعبها بحليات مختلفة ولا هتكررها زى الجماعة بتوع الكونسرفتوار اللى حافظين الجملة صم ومبيستذوقوهاش ولا ينوّعوها!كان هذا امتحانًا عمليًا من عبدالوهاب لشخصيتى الفنية، كان يريد أن يعرف بالضبط هل أنا خواجة «صرف» أم مزيكاتى مصرى بروح الخواجات؟!بعد هذه الجلسة تيقن عبدالوهاب من أننى سأسهم فى تغيير شىء ما فى الموسيقى المصرية، قال لنجاة: هانى هيعمل حاجة كبيرة فى المزيكا العربية لو أُتيحت له الفرصة وفضل مكمّل فى طريقه وماتأثرش بالناس اللى هترفض مزيكته.ظلت كلمات عبدالوهاب ترن فى أذنى كلما واجهنى إحباط أو فشل، تذكرت كلماته مع كل صدمة كنت أتلقاها، أو فى كل مرة أقرأ فيها مقالًا يهاجم صاحبه تجربتى الموسيقية، لم يقلّ إيمانى بتجربتى يومًا ما.