«الوطن» داخل «بحر البقر».. أكبر محطة لمعالجة المياه فى العالم.. وصاحبة 3 أرقام قياسية فى موسوعة «جينيس»
المحطة تحتوى على مبنى للكلور والأوزون ووحدات للتجفيف الشمسى للحمأة
مصرف بحر البقر
على بعد 10 كيلومترات جنوب أنفاق بورسعيد فى سيناء وعلى مساحة 155 فداناً تقريباً، تظهر إنشاءات عملاقة ومبانٍ حديثة على أعلى مستوى تبهر العين وسط الصحراء، تتدفق إليها مياه الصرف محملة بالعوالق والرواسب والحمأة، تسير عبر خطوط ومراحل مختلفة دقيقة لمعالجتها وتعقيمها، لتخرج المياه فى نهايتها نقية تُستخدم لأغراض استصلاح الأراضى الزراعية، إنها محطة معالجة مياه مصرف بحر البقر، المحطة الأكبر والأضخم على مستوى العالم، التى افتتحها الرئيس عبدالفتاح السيسى مؤخراً.
«الوطن» زارت محطة المياه الأولى عالمياً بعدما حصلت على 3 أرقام قياسية فى موسوعة جينيس العالمية، وتجولت داخلها ورصدت كيف تحولت المنطقة من صحراء صعب البناء عليها إلى محطة مياه عملاقة وصلت إلى المرتبة الأولى عالمياً تحت إشراف كامل من إدارة الأشغال العسكرية بالهيئة الهندسية للقوات المسلحة، وبتنفيذ تحالف شركتى أوراسكوم للإنشاءات والمقاولون العرب «عثمان أحمد عثمان»، ضمن خطة الدولة لتنمية محور قناة السويس وشبه جزيرة سيناء وتعظيم مواردها الطبيعية.
أكبر محطة لمعالجة مياه الصرف الزراعى فى العالم وتعتبر الأضخم من نوعها
تسهم محطة معالجة مصرف بحر البقر فى استصلاح 400 ألف فدان فى سيناء من خلال إعادة تدوير المياه القادمة من خلال 3 مصارف هى: بحر البقر، وأبوالريش، وشادر عزام، حيث إنهم كانوا يلقون بالمياه فى بحيرة المنزلة وهو ما كان يسبب تلوثاً بيئياً، وتمر المياه أسفل قناة السويس عبر سحارة السلام، وتتدفق إلى المحطة وفقاً لحديث المهندس عبدالحميد البندارى، نائب مدير تحالف شركتى أوراسكوم للإنشاءات والمقاولين العرب، مؤكداً أن المياه التى تمت معالجتها تخرج من المحطة فى اتجاه قناة الشيخ جابر لتبدأ رحلتها فى استصلاح الأراضى.
«البندارى»: المياه التى تمت معالجتها تُنقل إلى قناة الشيخ جابر لتستخدم فى استصلاح الأراضى
ويوضح «البندارى» أن محطة معالجة مياه مصرف بحر البقر هى الأولى على مستوى العالم، وتعالج كمية مياه تقدر بـ5.6 مليون متر مكعب يومياً، تمر المياه بأربعة خطوط معالجة للمياه متطابقة، يعالج الخط الواحد 1.4 مليون متر مكعب يومياً.
ويستعرض نائب مدير تحالف الشركتين المنفذتين مراحل معالجة المياه داخل المحطة، شارحاً أن المياه تدخل أولاً على المصافى الخشنة والمتوسطة من أجل التخلص من العوالق الموجودة فى المياه، ثم تمر على طلمبات ترفع المياه إلى مراحل المعالجة، وهى التى تبدأ بالخلط السريع من خلال خلط المياه بالمواد الكيماوية بشكل سريع حتى يتم تسهيل ترسيب المواد العالقة فى المياه، على أن تمر المياه بمرحلة الخلط البطىء، ثم مرحلة معالجة المياه وهى مرحلة الترسيب للمواد العالقة داخل خزانات مخصصة للترسيب.
المرحلة التالية للترسيب وفقاً لـ«البندارى»، هى سير المياه من خلال مبنى المرشحات ذات الأقراص «الفلاتر»، لكى يتم التخلص من المواد العالقة، تمر المياه بعدها إلى مرحلة التعقيم، سواء عبر الكلور أو الأوزون، وبعد «التعقيم» تخرج المياه من خلال قناة الخروج من المحطة جاهزة إلى الأراضى المطلوب استصلاحها.
وعن التحديات والصعوبات التى واجهوها قبل بدء المشروع، يحكى «البندارى» قائلاً إن المشروع بدأ فى 2019، وكان هناك العديد من التحديات، وكان أبرزها نوعية التربة المقام عليها المشروع حالياً، حيث إنها تسمى سهل الطينة، وهى مصنفة على أنها أصعب أنواع التربة التى يمكن تنفيذ مشروعات عليها، ولا تستحمل البناء ولا حركة المعدات المنفذة للمشروع، مضيفاً: «ده كان التحدى الأكبر بالنسبة لنا، ومعظم المنشآت فى المحطة بالكامل أنشئت على أساسات عميقة فيما يُسمى بالخوازيق، وإحنا هنا أسسنا 6500 خازوق، من عمق 35 متر إلى عمق 60 متر».
تنفيذ ووضع «الخوازيق» كان تحدياً آخر، لأنه كان يجب تمهيد الأرض ووضع طبقات إحلال حتى تستطيع معدات تنفيذ «الخوازيق» الدخول إلى الأرض والقيام بعملها، حسب ما أوضحه نائب مدير المشروع، مؤكداً أن التحدى الثانى كان فترة المشروع التى لم تتعد العامين، لأنه فى الطبيعى فى مثل هذه المشروعات الضخمة فى الإنشاءات والظروف يستحق على الأقل من 4 إلى 5 سنوات للانتهاء منه.
بها معالجة ثلاثية لمياه المصارف.. وغرف مركزية للتحكم فى المحطة بالكامل من داخلها
وعن تأثير أزمة فيروس كورونا فى بدايتها على سير العمل داخل المشروع وكيفية التغلب على الأزمة، أشار «البندارى» إلى أنه تم زيادة عدد العاملين داخل المشروع، وفى بعض الأوقات وصل عدد العمال فى اليوم الواحد إلى 6500 عامل وفنى ومهندس، حتى يتغلبوا على أزمة فيروس كورونا، مع تطبيق مختلف الإجراءات الاحترازية، مؤكداً أن المشروع لم يتوقف تحت أى ظرف، «فى فترات معينة كانت الأجازات الأسبوعية ملغية هى كمان، عشان نسلّم المشروع فى الوقت المحدد من جانب القيادة السياسية».
ووجّه نائب مدير التحالف الشكر إلى الهيئة الهندسية للقوات المسلحة، على ما قدمته الهيئة من تسهيلات كبيرة، وتوفيرها لتصاريح دخول المعدات ومواد البناء والأفراد، والذى ساعد على تنفيذ وتسليم المشروع فى الوقت المحدد والقياسى.
وتتميز محطة معالجة مياه مصرف بحر البقر بوجود مسار أو خط لمعالجة وتجفيف الحمأة على أعلى مستوى، وهو ما يتحدث عنه المهندس مينا هرمينا، منسق عام التحالف بين شركتى المقاولين العرب وأوراسكوم، موضحاً مسار خط معالجة الحمأة، بداية من سحب وتجميع الحمأة فى خزانات الترسيب الموجودة داخل مبنى الخلط السريع والبطىء، ثم يبدأ ضخها فى مبنى التجفيف الميكانيكى، وعبر 16 طلمبة يتم ضخ الحمأة إلى خزانات تكثيف الحمأة وهى 7 خزانات دائرية، وبعدها يتم نقل الحمأة المغلظة بواسطة 12 طلمبة من خزانات التجميع إلى ماكينات التجفيف الميكانيكى.
ويستكمل «المنسق العام» حديثه، مشيراً إلى أنه يتم تحميل الحمأة إلى وحدات التجفيف الشمسى، وهى عبارة عن 16 حوض تجفيف، 8 لكل خطين «معالجة مياه»، على مساحة 160 ألف متر مسطح أحواض تجفيف، والمبنى من الهيكل المعدنى وبنوع من الزجاج المعالج، الذى يجعل الشمس تدخل بأكبر كمية، ليصل بالتجفيف الشمسى للحمأة إلى نسبة 75%، متابعاً: «الحمأة تحتوى على كميات كبيرة من المياه، وهدف مرحلة التجفيف الشمسى هو التخلص من المياه بأكبر قدر ممكن، بحيث تخرج بعد هذه المرحلة تبقى نسبة الحمأة 75% والمياه 25%».
«مينا»: فخور بمشاركتى فى المشروع.. والحمأة تدخل فى صناعات الطوب
وأشار «مينا» إلى أنه بعد هذه المرحلة تصبح الحمأة جاهزة للنقل خارج المحطة بالكامل، ودخولها فى العديد من الصناعات، وأن هناك دراسة أجريت داخل المحطة عن الصناعات التى تدخل فيها الحمأة بعد خروجها من المحطة، وأوضحت أن الحمأة تدخل فى صناعات الطوب، وصناعات الكيماويات، وصناعات الأسمنت.
ويشرح «مينا» تفاصيل منظومة معالجة أو تجفيف الحمأة الموجودة داخل المحطة من خلال رسم هندسى موجود داخل مكتبه، مؤكداً أن منظومة تجفيف الحمأة هى الأولى على مستوى الشرق الأوسط، وهى تكنولوجيا ألمانية من خلال أكبر شركة على مستوى العالم، «كمان دخلنا بيها موسوعة جينيس كأكبر أحواض تجفيف شمسى على مستوى العالم، والهدف منها هو الحفاظ على البيئة، حيث إن المحطة بالكامل صديقة للبيئة ولا توجد أى نسبة تلوث تخرج من المحطة».
ويختتم «مينا» حديثه قائلاً: «بدأت الشغل مع المشروع ده من الصفر، وشفته بيكبر قدام عينى خطوة خطوة لحد ما وصل إلى الصرح الهائل ده، وفعلاً فخور إنى شاركت فى المشروع العظيم ده».
وتتميز محطة معالجة مياه بحر البقر بوجود العديد من المبانى الخدمية التى تعمل جنباً إلى جنب أثناء معالجة المياه فى مراحلها المختلفة، وهو ما يوضحه المهندس مرقص ميلاد، مدير تخطيط فى اتحاد شركتى المقاولين العرب وأوراسكوم القائمين على تنفيذ مشروع «بحر البقر».
المبنى الأول وفقاً لـ«مدير تخطيط المشروع» هو «مبنى الكيماويات» شارحاً عمل المبنى قائلاً: «يحتوى على الكيماويات التى يتم ضخها لمعالجة المياه داخل أحواض الخلط البطىء والسريع فى أولى مراحل المعالجة، ويوجد مبنيان للكيماويات وكل مبنى يخدم على خطين للمياه»، موضحاً أن المبنى يحتوى على الكيماويات التى يتم ضخها للمساعدة على ترسيب الحمأة فى الأحواض ومعالجة المياه، بحيث إن المياه تدخل فى المرحلة التالية للمعالجة أكثر نقاءً.
هناك 3 أنواع من الكيماويات الرئيسية الموجودة فى هذا المبنى، وهى: كلوريد الحديد، والصودا الكاوية، وحمض الكبريتيك المركز، وهذه الكيماويات تتم الاستعانة بها فى مرحلة المعالجة الأولية، حسب ما أكده «مرقص».
المبنى الآخر الذى أشار إليه مدير التخطيط وهو يقف فى وسط المحطة ويشير إليه هو مبنى توليد الكهرباء، ويوجد عدد 5 مولدات داخل المحطة، وقدرتها الإجمالية 8 ميجا، فى حين أن المحطة قدرتها 32 ميجا، ويتم اللجوء إليها فى حالة الطوارئ فقط. المبنى الثانى هو «مبنى الكلور» وهو من المبانى الرئيسية داخل المشروع، وأكد «مرقص» أن غاز الكلور تتم الاستعانة به من أجل تنقية المياه وتعقيمها، وهذا المبنى يتم فيه ضخ الكلور إلى الأحواض من أجل خلطه بالمياه فى آخر مرحلة لها، وحتى يتم الوصول إلى النسب التى تنص عليها وزارة الصحة، وبه تكنولوجيا عالية من جانب الأمان أو فى حالة حدوث أى تسريب.
وأضاف «مرقص» أن مبنى توليد الأوزون هو الأكبر فى العالم وحصلت فيه المحطة على رقم قياسى فى موسوعة جينيس العالمية، ويتم خلاله توليد غاز الأوزون عن طريق خزانات الأكسجين بتكنولوجيا متقدمة، حيث إن الأوزون يُستخدم فى تعقيم المياه فى بعض الأوقات خلال العام، لكن يبقى الاعتماد الرئيسى على الكلور، وهى آخر مرحلة قبل ضح المياه فى النهاية.
وتطرق مدير تخطيط المشروع إلى الحديث عن المبنى الإدارى للتحكم، ويمكن من داخل هذا المبنى التحكم بالكامل فى المحطة وفى جميع المعدات الموجودة بها، وفى حالة حدوث أى أعطال يتم ظهورها على شاشات التحكم وتحديد سببها ومكانها، ويعتبر عقل المحطة داخل هذا المبنى ويوجد داخله أيضاً المعمل الذى يتم فيه تحليل العينات التى تأتى من المصرف، وقبل دخولها عملية المعالجة، «عشان نعرف خصائص المياه دى إيه، وبناء على حالة المياه يتم تحديد الكيماويات اللى هيتم ضخها فى المراحل الأولية للمعالجة».
وأشار «مرقص» إلى وجود العديد من المبانى الأخرى مثل «مبنى العاملين»، وهو مخصص للعاملين داخل المحطة كاستراحة لهم، وأيضاً ملاعب لكرة النجيلة الخضراء كوسيلة لترفيه العاملين، وأيضاً مبنى للورشة ويوجد داخله كافة معدات الصيانة، وأيضاً مبنى أخير للكيماويات يتم تخزين داخله مختلف المواد الكيماوية، ويوجد أيضاً مسجد تم بناؤه على طراز معمارى فريد.