عام 2016م حاز عن جدارة مشاعر كثيرة متباينة، لم يلبث المعظم منها يغادر مربعات القلق والاضطراب إلا ليعود إليها، ورغم أن العام يعد ابناً شرعياً لأعوام سبقته، فالمتواليات والتدافعات التى سبقته لم تنقطع والمعادلات الحتمية كانت تفضى إليه بالمنطق والضرورة معاً، لكن الجميع فيما يشبه الاتفاق الضمنى استقروا على وصمه بعناوين عدم الارتياح، والجميع هنا تبدأ من داخل الوطن لتمتد إلى محيط إقليمى تشارك فى العديد من عناوين القلق، ومنه إلى الفضاء العالمى الذى كان حاضراً فاعلاً ومفعولاً به داخل تلك الانطباعات.
وفى سياق لا يستهدف جردة حساب لعام مضى، كان هناك البعض ممن كانوا معنا تحت سماء تعقيداته الحقيقية، بطبائع المهام والأدوار حيناً، وباختيار وقرار ومبادرة فى أحيان أخرى، أعلنوا انحيازهم لإنجاز قيمة ما ترضى ضمائرهم، لم يتعللوا أو يداوروا وقت كانت الذرائع كثيرة وحاضرة، ويمكن الارتكان بسهولة لها، لكنهم لم يلقوا بالاً لتخاذل آخرين، ولم يستكينوا لتهديدات هائلة تجعل من الفوز بالنجاة وحدها عبوراً آمناً. لهؤلاء علينا حق الإشادة بهم، تعظيماً لدورهم واستدعاء وحشداً لآخرين كى نخوض بهم المقبل، فمن امتلك شجاعة الفعل وتحمل تبعاته تحت نيران الواقع، جدير بأن نضعه فى مقدمة الصفوف.
الشهداء.. من رجال الجيش والشرطة، هم درة تاج هذا العام، حيث حملوا أسلحتهم ويقينهم بمهمة حماية الوطن، وهناك بذلوا دماءهم وأعمارهم فى الحرب المعقدة على الإرهاب. مشهد الجبهة ربما لم يكن نموذجياً لصناعة النصر، فأدوات كثيرة ما زالت معطلة وأدوار عديدة لم تغادر حيرتها وارتباكها بعد، لكن الأبطال انحازوا لجسارة القتال بالموجود، وصدقوا ما عاهدوا الله ووطنهم عليه، عن يمينهم المصابون الذين لا يقلون عنهم سمواً وجلداً، الذين عادوا بإصابات جسيمة تستلزم صلابة الجبال، لمواصلة الحياة بما فقدوا عن طيب خاطر، وعن شمائلهم تأتى عائلات هؤلاء جميعاً ليزينوا قافلة النور، أمهات وآباء وزوجات وأبناء قدر لهم أن يعيشوا فى كنف البطولة، فى ظل امتحان عسير من الصبر والألم الإنسانى، أعانهم الله وثبتهم على اجتيازه.
الرئيس عبدالفتاح السيسى مقاتل يواجه أمواجاً متلاطمة فى الداخل والخارج، وسط معركة متكاملة وحقيقية، باعتبارات طموحات وتحديات الداخل التى اختارت أكتافه لتضعها عليها، وتعقيدات مشهد إقليمى وعالمى غير مسبوق، يجعل من قيادة وطن بحجم ومكانة مصر مهمة ثقيلة. مبعث الإشادة عن عام مضى أن الرئيس بالحساب الاستراتيجى الذى سيتناول المرحلة والمنطقة برمتها، تمكن من صياغة مساحة آمنة للوطن تمكنه من التحرك الرشيد، فضلاً عن إرساء قواعد ناجحة لتوازنات إقليمية وعالمية، وسينجلى مستقبلاً قدر الأمان والرشد كسلعتين ثمينتين فى زمن الاضطراب الجارف. فى الداخل يصر الرئيس على حجز مقعد متقدم وسط البنائين الكبار، رغم الكلفة التكتيكية الباهظة يمضى قدماً، مراهناً بقوة على يقين العبور وطهارة يده ومقصده. وسيسجل هذا العام أنجح تواصل وطنى قام به رئيس مصرى، متمثلاً فى عقد مؤتمر الشباب وتدشينه كفعالية مؤسسية مستدامة، بدت فى فعالياتها الأولى والثانية كمختبر لصناعة وصياغة المستقبل على أسسه الصحيحة والواقعية. المسيحيون فى وطنى.. هؤلاء الرائعون دوماً، الذين يستحقون عن جدارة الإشادة بهم طوال الوقت، لكنهم فى هذا العام لم يخلفوا موعدهم مع وطنهم ولا ثوابتهم بالقدر الذى يحتاج إلى إشارة خاصة. هم أكثر من يصدق عليهم القول بأن مكونات الساحة أمامهم ليست بالقدر الذى يرضيهم، لكن هذا لم يشكل ذريعة للنكوص أو التبدل، فضريبة الدم مسددة مقدماً لوطنهم عن طيب خاطر وعن يقين باستحقاقه، وضحايا العمليات الإرهابية والاعتداءات المجتمعية والتضييق الطائفى فى ازدياد وليس فى انحسار. لكن الأرضية الوطنية لم تهتز تحت أقدام ألمهم فى وقت مادت وتلعثمت بمواقع آخرين، ما زالوا لم يتبوأوا مكانهم المأمول ولم يستوفوا حقوقهم كاملة، وهذا من استحقاقات ثورة يونيو التى ستنجز حتماً رغم ما يتم المماطلة فيه. على وقع حادث الكنيسة البطرسية الدامى رغم أن هناك ما سبقه، انطلق عفوياً عزاء فريد من المصريين، عندما انتبه قطاع عريض لا تخطئه عين بأن هناك شيئاً ثميناً قد تأذى، وأن الكثيرين فى هذه اللحظة اكتشفوا أنفسهم ومقدار حبهم لأشقائهم المسيحيين، وهم يبحثون عن دوائر أصدقائهم وجيرانهم ليعزوهم فى تأسٍ حقيقى. لمسيحيى وطنى فى أعيادكم وفى كل أوقاتكم لكم منا ما يرضيكم.. محبة وسلاماً.
مواطن مصرى.. رجل أو امرأة عاش وعاشت أعواماً خاضا هذا العام الثقيل، بمهمة المواطنة التى ألقت عليه تبعات جساماً، لم يهتز وإن سكنه ضيق شديد، يقوم بواجبات منزله بما تيسر له رغم يقينه أن هناك مما يمكن أن يجعله أفضل، ما زال يعلم أولاده أن الخير قيمة، وما زالت تربى أبناءها على الإيمان بالفضيلة، مواطن يقرأ ويستمع ليعلم فهو موقن بأن العلم نور، تضيق عليه المعايش لكنه ما زال كريماً ومحترماً. يزدرى الحرام ويصرخ من الفساد ولا يواقعه، يعود إلى زوجته يقص لها عن الجحيم الذى يجابهه، وهى قريرة العين بأن طعام منزلها حلال. حمد الله على ما أنجزه وما زال فى المقبل يناجيه سراً بأنه وحده المستعان، وهى اختزلت ما يمكن أن تحلم به فى ستر بناتها وتوفيق أولادها، عن هؤلاء كان الله يفشى سرهم النبيل، وهو يقول عنهم تحسبهم أغنياء من التعفف. لو أننا قدمنا له ولها خيراً فى أبنائهما «وليس لهما» لما وسعتهم الدنيا رضى وفرحة.. هؤلاء الغائبون دوماً عن المشهد، إن لم يشد بهم هذا العام وكل عام فلا مكان حينئذ للإشادة.