بينما أحرك شاشة هاتفى المحمول.. توقفت أمام فيديو يتحدث فيه الرئيس الراحل مبارك فى بداية فترة حكمه.. عن تقلب أحوال المصريين مع حكامهم.. مختتماً حديثه بجملة شهيرة: «هتيجوا تدوّروا ليكوا على حاكم ما تلاقوش»!!
ربما كان الرئيس السابق مبارك فى هذا الجزء المقتطع من خطابه، فى أكثر لحظات صدقه.. لم يمر حينها وقت طويل على حكمه، حتى تابع انقلاب الشارع والإعلام على الرئيس الراحل محمد أنور السادات.. بعدما كانوا يطلقون عليه لقب «بطل الحرب والسلام»، وفجأة نسى الجميع كل شىء وتفرغوا للهجوم عليه وانتقاده بعد رحيله شهيداً بحادث المنصة الشهير.. ربما انشغل تفكير الرئيس مبارك وقتها بـ«ماذا سيقول المصريون عنى بعد رحيلى؟».. وأعتقد أن القدر جعل مبارك يعيش ليرى بعينيه ماذا قال عنه الشعب عقب أحداث يناير 2011.. عرف مبارك الإجابة وتيقن أنه ليس من السهل حكم شعب مثل الشعب المصرى!!
(2)
تشرفت خلال الأيام السابقة بحضور مؤتمر «حكاية وطن» وما ضمه من جلسات نقاشية عمّا حققته الدولة المصرية على مدار تسع سنوات.. حاول خلالها الرئيس عبدالفتاح السيسى تنفيذ رؤيته للنهوض بدولة بحجم مصر.. تأخرت عشرات السنوات عن تحقيق المكانة التى تليق بها.. حجم البناء والتنمية طال كل شبر من أرض مصر.. طرق وكبارى.. مصانع وموانى.. سكك حديد وقطارات.. مترو الأنفاق.. مساكن للشباب.. مجتمعات جديدة بديلة للعشوائيات.. حملات للنهوض بالنظام الصحى.. جامعات أهلية.. مشروعات للنهوض بالأبطال الرياضيين.. بناء جديد لقدرات قواتنا المسلحة.. بناء جديد للإنسان.. مشروعات حياة كريمة.. ابدأ.. مبادرات قطاع الصحة.. مشروعات البنية التحتية.. محطات الكهرباء.. مفاعل الضبعة.. المدن الجديدة.. مشروع المليون ونصف المليون فدان.. وغيرها من عشرات المشروعات التى لولا وجود القرار والإرادة السياسية وقوة الشعب.. لما تحقق مشروع واحد منها.. عدد «الوطن» الذى بين يديك يخبرك كيف حققت مصر كل هذه التنمية والبناء والتعمير فى تسع سنوات بمشروعات كانت تحتاج على الأقل خمسين عاماً لتتحقق..
(3)
بدا سيادة الرئيس عبدالفتاح السيسى حزيناً وغاضباً بعد أن استعرض دولة رئيس الوزراء الدكتور مصطفى مدبولى حجم المشروعات الضخم الذى تم تنفيذه فى تسع سنوات ليعبر بمصر عبوراً جديداً من زمن الضعف والحاجة إلى زمن الإرادة والقوة.. كنت أراقب وجه سيادة الرئيس عبدالفتاح السيسى والدكتور مصطفى مدبولى يستعرض بالأرقام والصور كيف كانت مصر وكيف أصبحت.. لمعة عين مقاتل يرفض الاستسلام للواقع.. يرفض كل الأصوات المحبطة التى حاولت إعاقة حلمه.. يشعر بالفخر بما أنجزه.. ولكنه يشعر بمرارة الألم بعد أن شعر من البعض أن ما صنعه ليس محل تقدير.. فقد تناسى البعض أننا كنا لا نستطيع الخروج من منازلنا بعد ساعة معينة نتيجة أعمال الشغب والحرق والخراب.. تناسى البعض التفجيرات الإرهابية وترويع المواطنين.. تناسى البعض مشهد ذبح إخوتنا المصريين فى ليبيا.. وأعلام داعش وهى تجول أرض سيناء!! لم يتاجر عبدالفتاح السيسى بالوضع وقتها ليرغمنا على قبول حكومة حرب وتسخير كل موارد الدولة للقضاء على الإرهاب.. بل فعل المستحيل.. حارب الإرهاب وانتصر.. وقام فى الوقت نفسه بالبناء والتعمير.. أليس من حقه أن يغضب بسبب محاولة البعض التقليل مما قدمه لمصر وشعبها.. الذى كان يقضى أكثر من نصف يومه فى الطرق وإشارات المرور وأعلى الكبارى المتهالكة.. والنصف الآخر أمام شاشات التليفزيون لمتابعة أعمال الشغب والفوضى والقتل والخراب!! هل نسينا كل هذا وأصبحنا نملك ذاكرة السمك فى تقييم ما حدث فى مصر من بناء وتنمية وتعمير؟!
كان الرئيس على حق عندما لمّح لعدم رغبته فى الترشح لفترة رئاسية جديدة.. مكتفياً بما قدمه لمصر وشعبها.. ليمنح غيره الفرصة لاستكمال ما بدأ!
أى شخص كان سيفكر فى هذا القرار ليريح ضميره وعقله.. ولكن هل تعوّدنا من عبدالفتاح السيسى على أن يتصرف كما نتوقع؟!
(4)
شعر الناس بالقلق من تلميحات الرئيس بعدم الرغبة فى الترشح.. بحزنه من الانتقادات غير المنصفة لمشروعه ورؤيته.. لسماعهم أصوات أهل الشر والفتنة وتصديقهم لها.. هل تتخيلون أن رئيس دولة ينجز كل هذا الإنجاز وهو الرئيس الوحيد فى هذا العالم الذى يحاربه إعلام موازٍ ينفق المليارات لتشويه صورته ومشروعاته وإحباط شعبه وترويج الأكاذيب والشائعات لهدم مشروعه ووطنه!!
ولكنه لم يستسلم لهم ولم نره يوماً واحداً يرد عليهم الإساءة بالإساءة أو حتى يلوث لسانه بذكرهم.. كل ما استطاع أن يفعله أن يحاربهم بالعمل والنجاح والتنمية والتعمير.. أطلق عليهم «أهل الشر»، وفى الحقيقة هو وصف شديد الأدب من رجل لم نسمع منه يوماً كلمة تجرح آذاننا..
وجْه الرئيس -حين كان الفنان الكبير أحمد فؤاد سليم يتحدث له عن انزعاجنا من تلميحه بعدم الترشح- يخبرنا مدى الصدق والطيبة والأصل الذى يتمتع به الإنسان عبدالفتاح السيسى.. الفرحة التى ملأت عينيه مع الدموع عندما شاهد الملايين يحتشدون بالميادين ليطالبوه بإكمال الحلم، تخبرنا من هو القائد عبدالفتاح السيسى.. يعلم الله أننى عندما رأيته عن قرب واستمعتُ لحديثه وتابعتُ نشاطه وحرصه على العمل المتواصل.. أيقنت أن الله من اختار هذا الرجل ليقود مصر.. وأن هذا الاختيار يزعج الكثيرين من أعداء هذا الوطن.. الذين أطلق عليهم الرئيس عبدالفتاح السيسى طلقة الرحمة بخطابه التاريخى وقراره بالترشح لفترة رئاسية جديدة.. ليكمل ما بدأه، وليترك للتاريخ وحده حق تقييم مشروعه وما صنعه لشعبه.. ليس كرئيس ولكن كقائد وزعيم وإنسان جلس على كرسى حكم مصر.