علماء اجتماع: معاناة المجتمعات فى أعقاب الثورات أمر طبيعى.. والتغيير لا يأتى سريعاً
الانفلات الأمنى أحد نتاجات ثورة يناير
أجمع عدد من علماء الاجتماع على أن سلوك الأفراد الذين مرت مجتمعاتهم بثورات قد يتغيّر إلى الأسوأ فى أعقاب تلك الثورات، مشيرين إلى ما حدث فى المجتمع المصرى فى أعقاب ثورة 25 يناير، وما تزامن معها وأعقبها من حالات فوضى وانفلات أمنيين، وكشف عدد من السلبيات التى عانى منها المجتمع المصرى لفترة طويلة.
تقول «نادية رضوان»، أستاذ علم الاجتماع بجامعة بورسعيد: إن كل ثورة تقوم يكون لها نتائج إيجابية متمثلة فى تحقيق أهدافها، وتترتب عليها أيضاً عواقب سلبية تتمثّل فى بعض الأزمات التى يمر بها الشعب حتى يصل إلى مرحلة من الاستقرار والتغيير المطلوب، فعلى سبيل المثال ثورة 25 يناير حقّقت نتائج إيجابية وقتية برحيل نظام «مبارك» وبداية عهد جديد، لكن سرعان ما تم سرقتها بوصول جماعة الإخوان إلى الحكم، وما ترتب عليه من عُنف فى الشوارع والميادين وانفلات أمنى وحرق الأقسام وهروب «البلطجية» من السجون، إلا أنها استُردت مرة أخرى بعد ثورة 30 يونيو. وتتابع «رضوان»: «فى الأيام الأولى كان الناس سعداء بالحكم الإسلامى، باعتبار أنه سيُحقق العدالة الاجتماعية التى كان يطالب بها الشعب، وسيكون هناك نوع من حقوق الإنسان، لكن اكتشفنا أن الإخوان سرقوا الثورة منا وماحققتش أى هدف من أهدافها، والناس بدأت تعترض من جديد، ومن هنا شافت مصر الخراب والانقسام، وده لا يعتبر فشل للثورة، وإنما كان مجرد مرحلة وانتهت، وما زلنا ندفع ثمنها». وترى «رضوان» أنه عادة ما يعانى الناس فى أعقاب الثورات، فالثورة الفرنسية ظلت 14 عاماً فى معاناة ونزاع ومذابح حتى أصبحت دولة.
أى ثورة لا تنطفئ بمجرد حدوث انكسار فى مسارها لأنها تخلق حالة من حالات الرفض لدى الشعوب لأى نوع من أنواع الاستبداد
وتقول سامية خضر أستاذ علم الاجتماع بكلية التربية جامعة عين شمس: إن ثورة 25 يناير تسبّبت فى نزع القيم المصرية وأتاحت للجميع نشر الفوضى، سواء داخل الأسرة أو داخل المؤسسات، الأمر الذى أصاب المجتمع بفوضى خلاقة، مشيرة إلى أن هذه الفترة العصيبة التى مرت بها مصر انتهزها البعض لإحداث انفلات أمنى، حتى فى الشوارع: «لما كان بتحصل مثلاً مسيرات كنا بنبقى عايزين نستخبى علشان نقدر بعد كده نخرج تانى نشوف ونتابع اللى بيحصل». وتواصل «خضر»: «رغم كل هذه المحاولات لإحداث فوضى، فإن الشعب المصرى هو الشعب الوحيد الذى ظل متماسكاً، واستطاع أن ينهض من جديد، مقارنة بالبلاد الأخرى التى انهارت عقب قيامها بثورات كسوريا واليمن وليبيا والعراق، فهى كانت مجرد مرحلة من مراحل المؤامرة التى كان الهدف منها إسقاط الوطن تحت مسمى الديمقراطية والحرية، لكنها فى حقيقة الأمر كانت حوادث ذات شجون وإرهاب وانفصال عن القيم»، لافتة إلى أن الهدف من ثورة 25 يناير كان إحداث تغيير وإنهاء سنوات طويلة عانى منها الشعب، والدخول فى مرحلة جديدة، إلا أن الشعب كان يحتاج لأن تمر بسلام، دون أن تترك أثراً سلبياً فى المجتمع، مؤكدة أن هذه التغيرات السلبية بدأت تنسحب ببطء شديد، فحتى الآن هناك بعض الأفراد متأثرون بالقيم السلبية، بالإضافة إلى وسائل الإعلام التليفزيونى التى تسهم بشكل مباشر فى إحداث انحدار فى القيم الأخلاقية بعرض بعض البرامج والمسلسلات التى تتضمن مشاهد مبتذلة وألفاظاً خارجة، على اعتبار أن هذه هى الديمقراطية والحرية، رغم أنها تمثل خطورة على المجتمع، خصوصاً الشباب الذى يتأثر بما يشاهده.
نادية رضوان: مصر شافت «خراب وانقسام» بعد «يناير» ما زلنا ندفع ثمنهما
وتقول هالة يسرى، أستاذ علم الاجتماع ورئيس قسم الدراسات الاجتماعية بمركز بحوث الصحراء: إن الثورات بصفة عامة عادة ما يُصاحبها رؤية وفكر يحركانها فى اتجاهات معينة مع وجود قائد أو أكثر لهذه الثورة يستطيع أن يوجه الشعب، وتساعده على التصرف فى المواقف المختلفة، إلا أن ثورة 25 يناير كانت تفتقد هذا العنصر، فكانت بالنسبة إلى بعض الأفراد مجرد اعتراض على أوضاع فعلية والمطالبة بالتغيير، وأن تصبح مصر فى حال أفضل، فى حين أنه كان هناك بعض الأفراد المُندسين الذين يُشجّعون الناس على الخروج دون هدف، ونتيجة لعدم وجود قائد ظاهر يحرك الجماهير فى اتجاه معين، حدث تشتت للقوى المختلفة، وتفرقت المجموعات، وبالتالى بدأوا ينسحبون شيئاً فشيئاً، تاركين الساحة للمفسدين والمخربين وحارقى مصر: «مفيش ثورة من غير قيادة، فبدون القائد، فهى فوضى، وده اللى بالظبط حصل، ودى من المؤشرات التى تؤكد أنه فيه حاجة مش مظبوطة، فلو هى فعلاً مجرد حالة عدم رضا عن شىء أو احتياج لشىء كان لا بد من وجود قائد برضه».
تقول د. ثريا عبدالجواد، أستاذة علم الاجتماع بكلية الآداب جامعة المنوفية: لا توجد ثورة فاشلة، فالثورة فى علم الاجتماع تعنى علماً تقدمياً للارتقاء بحياة الشعوب، وعادة ما تضع لنفسها أهدافاً محدّدة، تتضمن العيش، والحرية، والعدالة الاجتماعية، والكرامة الإنسانية بين الناس. لكن كون الثورة لم تنجح فى تحقيق أهدافها، فهذا لا يُعتبر فشلاً كما تقول «ثريا»، فمسارات الثورة متعرّجة، حيث إن لكل ثورة، ثورة أخرى مضادة من أقطاب النظام السابق لها.
وتواصل «ثريا» أن الثورات قد تنجح فى بدايتها، ثم ترد إلى الخلف، ثم تعود إلى الأمام مرة أخرى. وأى ثورة لا تنطفئ بمجرد حدوث انكسار فى مسارها، لأنها تخلق حالة من حالات الرفض لدى الشعوب لأى نوع من أنواع الاستبداد، والدليل على ذلك أن حركات الاحتجاجات والوقفات التى حدثت بعد الثورة لم يمكن لها أن تحدث قبل الثورة، مثال على ذلك وقفات الشعب فى قضية تيران وصنافير، ورفضهم غلاء الأدوية، واحتجاجات نقابة الصيادلة.
أما ثورة 25 يناير، فتقول «ثريا» إنها لم تفشل أو تنتهِ حتى الآن، لكنها فقط ضلت الطريق. وهى لم تغير أخلاق وسلوك الشعب المصرى إلى الأسوأ. فالحقيقة أن كل من يعتقد أن أخلاق أو سلوك المجتمع المصرى تغيّر أو شابه عدم أخلاق، فهذا ادعاء وليس حقيقة. والواقع أن الشعب المصرى كما تقول «ثريا» قد أصابه إحباط، وخمول وغضب، لعدم تحقيق أهدافه ومطالبه، ويأتى تفكّك الشعب داخل المجتمع نتيجة مباشرة لعدم تحقيق أهدافه. وتنجح الثورات على قدر ما تقوم بتفتيت النظام القديم. وكلما فشلت القيادة بعد الثورة فى تحقيق الأهداف، ظهر العنف، والغضب، لدى الشعوب نتيجة عدم نجاحهم فى تحقيق مطالبهم.
وتقول د. سوسن فايد، أستاذة علم الاجتماع بالمركز القومى للبحوث الجنائية والاجتماعية: إن أى ثورة تكون لها أهداف، وعندما تفشل فى تحقيق أهدافها، يكون لذلك تأثير سلبى على الشعوب، فيُصاب الشعب بحالة من عدم الرضا والتوتر والارتجال والتخبط وعدم الاستقرار، نتيجة إخفاق الثورة وإخمادها، ووجود تغييرات جذرية لبعض الأوضاع. وهناك مراحل انتقالية تحدث بعد الثورة مباشرة، لكى يعود للشعب استقراره ووضعه الطبيعى، وهذه المراحل إما أن تأخذ فترة طويلة أو تأخذ فترة قصيرة، ويتوقف ذلك على مدى وعى الشعب وإدراكه ورؤيته، وكيفية تحقيق أهدافه، وكذلك أيضاً حسب طباع الشعب وخصائصه.