يمكنك أن تنظر لاحتفالات ذكرى ثورة 25 يناير من عدة زوايا، أن تراها بعيون أسر الشهداء ممن يطالبون بالقصاص حتى الآن دون أن تتحقق لهم العدالة الناجزة.. أو أن تراها بعين كلها تشاؤم من الانفجارات المتتالية التى تنفذها الجماعة الإرهابية، وتتحسر على من يبيتون فى العراء، لأن تفجير مديرية أمن القاهرة أطاح بسترهم وجعلهم بلا مأوى، مشردين فى الشارع!!.
ويمكن أن تعيشها بنفس حالة من رقصوا وهتفوا وصفقوا، على إيقاع «تسلم الأيادى»، دون أن يشعروا -فى قلب الزحام والضجيج- بهياج الكلاب المسعورة «المسماة بالإخوان»، وهم يبددون أمن سكان الألف مسكن والمطرية والمهندسين.. أو أن يسمعوا نبأ شهداء الطائرة العسكرية.
ليس مطلوباً منك أن تموت حسرة على شهداء الجيش والشرطة والشعب أيضاً، ولا أن تقفز من الفرح، لأن منصة «تمرد» فى «الاتحادية» أعلنت ترشح الفريق «السيسى» للرئاسة.. المطلوب أن تتأمل أداء جهاز الشرطة مثلاً، هل من المعقول أن مديرية أمن العاصمة ليست بها كاميرات مراقبة، أو أن جهازاً حساساً كهذا ومستهدفاً من الإرهابيين يترك مهمة تأمينه وحمايته لمجندين بسطاء (قد يكونون أميين)، ليست لديهم الخبرة والتدريب اللازمان لمواجهة موقف بسيط، مثل سيارة تقف «دون سائق» تفجر فيما بعد المكان بأكمله؟!.
لماذا نحول المجندين، الذين هجروا قراهم وأسرهم لأداء الواجب الوطنى، نحولهم إلى «دروع بشرية» تواجه الضربات الإرهابية والمظاهرات الدموية وعنف الجامعات.. بينما رجل شرطة واحد «مدرب جيداً» يمكنه احتواء الموقف!.
فى ذكرى 25 يناير، لا بد أن تسأل: لماذا اختزلنا الشباب فى حركة «تمرد» وأقصينا الباقين، أليست سياسة الإقصاء هى التى أطاحت بالإخوان؟.
عد لى كم فرداً من شباب النشطاء السياسيين تلوثت أيديهم بالتمويل الخارجى، وتنفيذ المؤامرة الأمريكية على مصر.. ما قيمتهم نسبة إلى الملايين التى اعتصمت بالميادين خلال ثورة يناير، وواجهت القبضة الحديدية لـ«حبيب العادلى»؟!.
وإذا كانت آلة الإعلام تشوه ثوار يناير (لصالح 30 يونيو)، فمن المستفيد من شق الصف الوطنى، وفتح جبهة خلافية عنوانها 25 يناير - 30 يونيو؟.. لولا أن الشعب بكل فصائله ثار فى 25 يناير، ما استطاع أحد إسقاط حكم المرشد.
من الإنصاف ألا نهيل التراب على ذكرى ثورة نرقص احتفالاً بها، ومن الذكاء السياسى ألا تقودنا «نظرية المؤامرة» إلى الفتك ببعضنا بعضاً.. صحيح هناك مؤامرة وما زالت مستمرة ولكن الأجهزة التى ترصد وتقدم أى متهم للنيابة العامة ليست مثل أجهزة «مرسى».. أحسبها الآن قادرة على ترميم ما خربه «مرسى» وعصابته.
مصر مستهدفة فى الداخل والخارج، وحدودها مفتوحة على كتائب إرهابية تتربص بنا، وكم السلاح الهائل الذى أدخلته الجماعة الإرهابية يتهددنا فى كل مكان.. ورغم ذلك نتفرغ للحروب الكلامية.
الوزارة التى صنفت الإخوان «جماعة إرهابية» لا تجهد نفسها باتهام كاتب مثل «وائل قنديل» أو «محمد جوادى» بالترويج لأفكار تنظيم محظور أو التحريض على جيشنا أو تطالب بالتحقيق معهما.. فكل همها القبض على شباب «نقى» تظاهر «دون تصريح» صباح 25 يناير، منهم الناشطة الحقوقية «نازلى حسين» و20 متظاهراً من رفاقها!.
أنا مع احترام قانون التظاهر، لكنى أبحث عن متنفس لهؤلاء الشباب، حتى إن كانوا يتظاهرون ضد ما يسمونه «حكم العسكر».. رغم أننى أؤيد ترشح الفريق «السيسى» للرئاسة وطالبت بذلك عبر كتاباتى.. فجوهر الديمقراطية أن ندافع عمن نختلف معهم وعن حقهم فى التعبير.
فى قلب المشهد الذى يحكمه «القتل» و«الرقص».. هناك شباب «غاضب» لم يدعه أحد للمشاركة فى أى من فعاليات ما بعد 30 يونيو.. وما زال يبحث عن الحرية.
لكن حكومة «الببلاوى» ليست معنية لا بالعيش ولا بالحرية، إنها مجرد «سد خانة» أقصى إنجازات رئيسها دكتور «حازم الببلاوى» حمل علم مصر وهو يتفقد ميدان «التحرير».. رغم أنه لم يشارك فى حياته فى أى مظاهرة!!.
الآن، وبعد أن تغيرت خارطة الطريق، وأعلن الرئيس «عدلى منصور» أن الانتخابات الرئاسية أولاً.. نحن لسنا بحاجة لقانون طوارئ يسىء إلى انتخابات الرئاسة، بل نحن بحاجة إلى ترتيب أولوياتنا ومراجعة سياساتنا.. والإفراج عن «الأبرياء» وتحقيق العدالة الناجزة التى وعد بها الرئيس.