أمل كل منا الآن أن تكون بلدى "مفعمة بالحياة، ومحبوبة" ـ هى أمل من صميم القلب والعواطف والعقل. إنها تعنى أيضا تحقيق الطموحات لمحبى الأعمال والأنشطة الاقتصادية والاجتماعية. إنها مكان تحقيق الذات والمتطلبات الحياتية، الخالية من الصراعات اليومية والمعاناة المستمرة. ولا أقول أنها المدينة الفاضلة، ولكن تقل فيها الصراعات والمعاناة.
إنها "المدينة المستدامة"
المدينة المستدامة كَتبت عنها الأمم المتحدة باللغة العربية تقريرا ظهر فى السنة قبل الماضية 2012 من الأردن. بالتقرير كل ما يتعلق بفكر المدن المستدامة فى أكثر من مائة صفحة دسمة، شغلت فيها مصر مكانا ليس بسيطا من الاهتمام. ذلك الفكر الذى يشغل بال كل حكام العالم والقائمين على السلطة التنفيذية للمدن فيها. إن المدن ليست شوارع وبنايات فقط ولكنها شبكة اجتماعية نشطة تشغل أماكن ومسطحات وظيفية فى مبانى ذات نماذج متعددة فى أحياء قد تكون متخصصة كسكن أو تجارة أو وظائف مكتبية . وقد تكون مدمجة التخصصات تشمل ثلاثتها. والمدينة المستدامة ينبغي ان تكون قادرة على إطعام نفسها مع اعتماد ضئيل على المناطق الريفية المحيطة بها، وتقوي امكانياتها من مصادر الطاقة المتجددة. وأن الجوهر فى هذا هو محاولة تكوين أصغر بصمة إيكولوجية ممكنه من خلال إنتاج أقل كمية ممكنه من التلوث . واستخدام الأراضي بصورة صحيحة إيجابية ، واستخدام صحيح لمواد السماد المنتجة، أو إعادة تدويره ، وتحويل النفايات العضوية إلى طاقة. ونتيجة لذلك فإن المساهمة الشاملة للمدينة في التأثير السلبى لظاهرة التغير للمناخي تتحول الى الحد الأدنى.
والمدن المستدامة فى العالم ليست كثيرة، وما تحقق منها لازال فى أول الطريق، وهنا أتمنى أن نلحق بذلك الركب من المدن المستدامة الموجوده فى العالم الذى نعيش فيه، ونسعد بتشكيلها ونساعد على رسوخ أفكارها المستقبلية. وقد أَعْرِض لنموذجين من تلك المدن وكفاحها نحو الاستدامة، وإحداها موجودة فى أحد البلاد القريبة منا تقدما، والأخرى أكثر تقدما . وأولها تلك القريبة هى سنغافورة، بقدر مانتصور أنها قريبة لظروف بلدنا الاجتماعية والاقتصادية.
يبلغ مسطح مدينة سنغافورة حوالى 700 كم2، وسكانها حوالى 5 مليون ونصف نسمة. ومن خلال نشاطها نحو الاستدامة فقد وصلت الى النتائج الحالية لسبع مجالات:
1: فى مجال جودة الحياة وصلت الى المكانة الأولى فى آسيا. 2: فى معالجة الفضلات وصلت الى معدل 65% فى عام 2008، مع حرق ما يبقى منها بحيث تُستخدم طاقة الحريق فى انتاج من 2 الى 3% من احتياجات الكهرباء القومية. 4: وضع الصناعات الثقيلة فى مناطق بعيدة عن المدن كَحَلٍّ لتوفير الهواء النظيف فيها. 5: منع مصادر التلوث لمياه الشرب من المنبع مع تحسين المجارى المائية للارتقاء بجودة البيئة السمكية، مع توفير خدمات الصرف الصحى بنسبة 100% فى المدينة. 6: فى مجال الطاقة ازداد انتاج الكهرباء ما بين عامى 2000 و2007 من الغاز الطبيعى من 19% الى 79%، كما انه فى نفس المدة تقريبا زادت كفاءة انتاج الكهرباء من 37% الى 44%. 7 : فى مجال النقل فإن سنغافورة تعد واحدة من أول ثلاث مدن فى العالم تحققت فيها 71% من رحلات العمل بأقل من ساعة. 8: وفى مجال التنوع الحيوى فهى تحوى 2900 نوع من النباتات، 360 نوع من الطيور، و250 نوع من النباتات البحرية. تصميم 10% من أرض سنغافورة لتكون مخصصة كلمناطق الخضراء، مع التوسع فى الجوانب الخضراء للطرق السريعة ومتنزهات الجزر الخضراء.
والمثل الثانى هو من الولايات المتحدة.
يصل مسطح مدينة بورتلاند فى الولايات المتحدة الى حوالى 145 ميلا مربع، وسكانها حوالى ستمائة الف نسمة. ومن خلال نشاطها نحو الاستدامة فقد وصلت الى الآتى:
1: وضع حدود للمدينة لايمكن تخطيها على أن تكون المناطق الأكثر كثافة سكّانية موضوعة على الأطراف والاقل فى الوسط ، وبحيث أن تكتفى الأحياء بالمتطلبات الحياتية دون الاحتياج الى التنقل لأحياء أخرى بهدف تقليل التكدس والازدحام. 2: بفضل سياسة اعادة التدوير للمخلفات ارتفعت كميتها بفضل تلك السياسة من 67% عام 2009 الى 70% عام 2012. 3:فى مجال النقل تعد بورتلاند أحدى المدن العشرين فى الولايات المتحدة التى يَستخدم 70% من سكانها شبكة المواصلات مع إتاحة استخدام السيارات الكهربائية. 4: استخدام لمبات LED عالية الوضوح والإضاءة فى إضاءة الطرق مما يعنى مزيدا من السلامة.
نتمنى أن تصبح مدننا المائتين وثلاثين مدينة، إضافة الى القرى الستة آلاف مجالاً لتحقيق جودة الحياة من خلال تطبيق مبادئ الاستدامة، وما ذُكر هنا ما هو إلا مؤشرين اثنين من مجموعة مدن فى العالم، اجتهدت بسكانها، وشارك أهلها مع حكوماتهم، فى تحقيق تلك الحياة النظيفة المملوءة حياةً بسكانها وأنشطتهم الاجتماعية والاقتصادية.